موقف أحمد مطر من مصطلح "قصيدة النثر"
لو كان الشعر مجرد وزن وقافية لأصبحت المنظومات التعليمية شعرا
فليبتكروا مصطلحا مناسبا للنثر الإبداعي غير الشعر
كنت في تدوينات سابقة عن لقائي بالشاعر الكبير -الغائب إعلاميا الحاضر إبداعيا- أحمد مطر قد نوّهت عن مسؤوليتي عن أي خطأ في السرد والمعلومات، لاعتمادي فيه على الذاكرة التي أعنتها ببعض رؤوس الأقلام على أوراق صغيرة، لذلك أكتب اليوم تصحيحا لمعلومة وردت في التدوينة الخامسة، عن موقف أحمد مطر من الشعر الحر، ورأيه في الشعر، حيث ورد فيها قوله إن الشعر هو الكلام الموزون المقفّى، وقد تلقّى أحمد مطر عتبا ممن قرأها، ورأى فيها ظلما للشعر بإدخال المنظومات التعليمية والكلام المرسل فيه. فرغب مطر في توضيح رأيه الكامل حول الشعر.
وهذه الرغبة أبطأت بتنفيذها عادتي السيئة في التأجيل والتسويف، حتى إذا ما وجدت النقاش حول الشعر الحر وقصيدة النثر ساخنا هذه الأيام، بين مؤيدين ومعارضين، أدركت خطأي وأسرعت بتصحيحه بالجلوس إلى الطاولة لأنقل إلى شاشة الحاسب ما وضحّه مطر عبر اتصال هاتفي عن رأيه في الشعر وقصيدة النثر.
لا يقول أحمد مطر إن الشعر هو الكلام الموزون والمقفّى بل يرى أنه الشعر الموزون المقفّى، وإلا لأصبحت المنظومات التعليمية واللغوية شعرا، فابن مالك نظم ألفيّة ًلكن لم يبدع شعريا على الإطلاق، ويرى مطر أن الوزن والقافية من عوامل الشعر، وهذا هو منطلقه لمعارضة تسمية “قصيدة النثر” من باب حفظ المصطلحات، لأن القصيدة تأخذ مصطلحها من الأخيلة والبلاغة والدهشة المضمّنة داخل بناء من الوزن والقوافي، يبقيها حيّة بما يوفّره من رنينٍ وأداء فني. ومن شواهد حاجة القصيدة للموسيقى الأمسيات الشعرية المصحوبة بالعزف، بينما الوزن يوفّر الموسيقى للشعر داخل القصيدة، ويزيدها سحراً مع القافية.
وهو يرى أن الشعر قد يوجد في النثر، فلا يمكن وصف بعض النثر بأنه نثر مطلق، ومعاملته كمعاملة مقال أدبي أو علمي، لأنّ في هذا النثر الشعر والتصوير والبلاغة وإلإيجاز وخلافها من مقومات الإبداع، فهو إذن عمل إبداعي وليس بحثاً أو دراسة طبية أو لغوية. ويضيف بأن الشعر موجود في كل مناحي الحياة، فقد يوجد في الروايات والأفلام السينمائية والنكتة والموسيقى والقصة والعمل المسرحي والنثر العادي، إلا أن تسمية القصيدة ليست مناسبة للنثر، فالقصيدة التي هي عوامل متعددة من الدهشة والصور والإيجاز والبلاغة والأخيلة المجنحة، والبلاغة والتورية والبيان والكناية والبديع، تضع كل ذلك وغيره في إطار من الوزن والقافية والنغم، وهذا ما ينبغي أن يتضمنه مصطلحها.
وقد كتب مطر سطورا عميقة، مثل أحاديث الأبواب لكن لم يسمّها قصيدة بل أسماها نصوصا، حفظا للمصطلحات، ويرى أن الأجانب عندهم مواقف شبيهة تجاه هذه الإشكالية كما هو الحال لدى الإنجليز والفرنسيين. ويرى أن القصيدة العربية بإبداعها الشعري المحتفظ بالوزن والقافية كنز يجب المحافظة عليه، والعرب يقدّمون فنهم كما هو، مع التجديد في الروح والنظرة. وصحيحٌ أنه إذا تُرجم قد يذهب بعض المدهش منه، لكن يبقى عند الترجمة جوهر الشعر فيه، كما يحدث عند قراءة شعر مترجم لطاغور ونيرودا وغيرهم من أسبان وفرنسيين، فهو يدهش من قرأه بغير لغته الأصلية رغم خلوه من الوزن والقافية.
ويدعو أحمد مطر للبحث عن مصطلح مناسب للنثر الإبداعي غير القصيدة، حتى يميّز المتلقي بين المصطلحات، والمهم احتفاظ كل فن وشكل بروح الفن والإبداع.
وبرأيي أن موقف أحمد مطر تجاه الوزن والقافية ليس مستغربا، فهو ممن يُحسب لهم التجديد والابتكار في الأوزان الشعرية، ومن أمثلة ذلك قصيدته “ميلاد الموت” التي زاوج فيها بين مجزوء الخفيف والمجتث، وهنا حديثه عنها في لقاء قديم له مع موقع الساخر وأظنه عام ٢٠٠٢.
كما أن موقفه ثابت لم يتغيّر تجاه مصطلح قصيدة النثر والشعر بشكل عام، ويكشف ذلك مقال قديم كتبه في مجلة “الناقد” في عددها السادس لشهر ديسمبر عام ١٩٨٨، أرفقت صورة مقطع منه يخص الوزن والقافية، ثم وضعت المقال كاملا لتبيان وجهة الشاعر في الشعر بشكل عام والحداثة التي كانت في أوجها تلك الأيام، ويحمل المقال روح السخرية اللاذعة التي ميزّت شعر أحمد مطر ونقلها إلى نثره.
ReplyDeleteيا سيد فائق منيف علمت أنك آخر من حاور الشاعر "أحمد مطر" فهل بإمكانك أن تدلّني عن عنوانه في لندن
و بارك الله فيك